الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال ابن عاشور: وأم في قوله: {أم تقولون على الله ما لا تعلمون} معادلة همزة الاستفهام فهي متصلة وتقع بعدها الجملة كما صرح به ابن الحاجب في الإيضاح وهو التحقيق كما قال عبد الحكيم، فما قاله صاحب (المفتاح) من أن علامة أم المنقطعة كون ما بعدها جملة أمر أغلبي ولا معنى للانقطاع هنا لأنه يفسد ما أفاده الاستفهام من الإلجاء والتقرير. اهـ..من لطائف وفوائد المفسرين: .قال في ملاك التأويل: قوله تعالى: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} وفى سورة آل عمران: {ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات} فأفرد في البقرة الوصف وجمع في آل عمران فقيل معدودات والجارى عليه الوصف في السورتين قوله تعالى: {أياما} بلفظ واحد فيسأل عن موجب اختلاف الوصف فأقول: إن المجموع بالألف والتاء منحصر في أربعة أضرب: ثلاثة متفق علها والرابع مختلف فيه.فأما الثلاثة فكل علم لمؤنث نحو: هند ودعد، وكل ما فيه تاء التأنيث لمذكر كان أو لمؤنث عاقل أو غير عاقل نحو: طلحة وحوزة وشجرة، وكل مصغر لغير العاقل نحو دريهمات وما أشبه ذلك، فهذه الضروب الثلاثة متفق عليها وضرب رابع مختلف فيه وهو كل اسم مكبر لغير العاقل مذكرا كان أو مؤنثا لم يسمع فيه عن العرب جمع تكسير نحو حمام وحمامات وسبطر وسبطرات وجمل سبحل وسبحلات وسرادق وسرادقات وايوان وايوانات وربحل وربحلات فإن سمع من العرب شيء من هذا جمع جمع تكسير لم يجز جمعه بالألف والتاء.قال سيبويه رحمه الله: قالوا جوالق وجواليق فلم يقولوا جوالقات حين قالوا جواليق يعنى حين كسروا وقالوا في المؤنث عيدات حين لم يكسروها على بناء يكسر عليه مثلها.ثم إن صفة كل مؤنث جارية عليه في حكمه من التأنيث إلا أربعة أضرب وهى: فعلى وأفعل، وفعلى فعلان، وما يشترك فيه المذكر والمؤنث من الصفات كمعطار ومذكار وميناث، وما ينفرد به المؤنث كحائض وطامث، فهذه الضروب الأربعة لا يجمع شيء منها بالألف والتاء وسائر ما يجرى على المؤنث من الصفات لا يمتنع من ذلك.ثم إن ما يجمع جمه التكسير من مذكر غير عاقل قد يتبع بالصفة المفردة مؤنثه بالتاء كما يفعل في الخبر تقول: ذنوب مغفورة وأعمال محسوبة، وقال تعالى: {فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابى مبثوثة} ومنه قوله تعالى مخبرا عن يهود: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة}، ثم قد يجمع هذا الضرب بالألف والتاء رعيا لمفرده وان لم يكثر الا أنه فصيح ومنه: {واذكروا الله في أيام معدودات}.وإذ تبين ما ذكرناه وانه الجارى الكثير مع ما وقع في آية البقرة من الإيجاز وفى الأخرى من الاطالة ألا ترى قوله تعالى: في آية آل عمران: {ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات} وفى البقرة: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} واخباره تعالى باغترارهم بقوله: {وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون}، وهذا بسط لحالهم الحامل على سوء مرتكبهم ولم يقع في سورة البقرة تعرض لشيء من ذلك بل أوجز القول ولم يذكر سببه فناسب الإفراد الإيجاز وناسب الجمع الاسهاب ولو جمه في سورة البقرة وأفرد في سورة آل عمران أو أفرد فيهما أو جمع فيهما لما ناسب فورد كل على ما يناسب ويجب. والله أعلم. اهـ..من فوائد ابن عرفة في الآية: قال رحمه الله:قوله تعالى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ الله عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ الله عَهْدَهُ}.قال الزمخشري: الفاء جواب شرط مقدر أي أن اتخذتم عند الله عهدا.قال ابن عرفة: لا يحتاج إلى هذا لأنَّ الثاني ملزوم للأول، فاتخاذ العهد ملزوم للوفاء به فيصح عطفه عليه، ودخل العهد الإنكار على الفعل وما عطف عليه فهو كالنفي سواء ينفي الفعل وما عطف عليه.وكذا قال الطيبي: إن كلام الزمخشري هنا مبني على أن {فَلَن يُخْلِفَ الله} كلام مستأنف ولو كان عنده معطوفا على {أَتَّخَذْتُمْ} لما احتاج إلى تقدير شيء.قال ابن عرفة: وكان يظهر لنا أنه يخرج لنا من الآية أن النّافي للدعوة مطالب بالدليل على ذلك لأنه أنكر عليهم قولهم: {لَن تَمَسَّنَا النار} قال: وكان ابن عبد السلام يجيب عنه بأنهم ادعوا أمرا مشتملا على نفي وإثبات فطولبوا بالدليل على طرف الإثبات.ورد بأن من ادعى ما يوافقه الخصم عليه لا يحتاج إلى دليل، ونحن نوافقهم على مس النار لهم أيّاما ونخالفهم في طرف النفي.وأجيب عنه بأن الإنكار في طرف النفي لكنه نفي ما قد حصل وتقرر ثبوته لأنهم وافقوا على مسّ النار إياهم أربعين يوما.ومن ادعى على رجل حقا فأقرّ به، وقال: دفعته، يطالب بالدليل على براءته منه.قال ابن عرفة: الكلام معهم في مدة النفي لا في مدة الإقرار.وأجيب أيضا بأنّ هذا النّفي يستلزم ثبوتا، لأنه ليس هناك إلا جنة أو نار، فإذا نفوا عنهم النار فقد ادعوا أنهم في الجنّة، فقال: إنما علمنا الجنة أو النار بالشرع، وكلامنا الآن في الدليل العقلي، لأن الدليل العقلي اقتضى أنّ النافي لا يطالب بالدليل.فقيل له: بل ذلك أيضا معلوم من الشرع لحديث: «البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر». اهـ..من فوائد الشعراوي في الآية: قال رحمه الله:{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)}.هنا يكشف الله سبحانه وتعالى فكر هؤلاء الناس.. لقد زين لهم الشيطان الباطل فجعلهم يعتقدون أنهم كسبوا فعلا وأنهم أخذوا المال والجاه الدنيوي وفازوا به.. لأنهم لن يعذبوا في الآخرة إلا عذابا خفيفا قصيرا.. ولذلك يفضح الله تبارك وتعالى ما يقولونه بعضهم مع بعض.. ماذا قالوا؟: {وقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً}.المس يعني اللمس الخفيف أو اقتراب شيء من شيء.. ولكن لا يحس أحدهما بالآخر إلا إحساسا خفيفا لا يكاد يذكر.. فإذا أتيت إلى إنسان ووضعت أَنَا مِلَكَ على يده يقال مسست.. ولكنك لم تستطع بهذا المس أن تحس بحرارة يده أو نعومة جلده.. ولكن اللمس يعطيك إحساسا بما تلمس: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً} وهكذا أخذوا أقل الأقل في العذاب.. ثم أقل الأقل في الزمن فقالوا أياما معدودة.. الشيء إذا قيل عن معدود فهو قليل.. أما الشيء الذي لا يحصى فهو الكثير.. ولذلك حين يتحدث الله عن نعمه يقول سبحانه: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [النحل: 18].فمجرد الإقبال على العد معناه أن الشيء يمكن إحصاؤه.. فإن لم يكن ممكنا لا يُقبل أحد على عده، ولا نرى من حاول عدَّ حبات الرمل أو ذرات الماء في البحار.. نِعَمُ الله سبحانه وتعالى ظاهرة وخفية لا يمكن أن تحصى، ولذلك لا يقبل لا يُقبل أحد على إحصائها.. وإذا سمعت كلمة {أياما معدودة} فأعلم أنها أيام قليلة.. ولذلك نرى في سورة يوسف قول الحق جل جلاله: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف: 20].قولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودة.. دليل على غبائهم لأن مدة المس لا تكون إلا لحظة.. ولكنها أماني وضعها الشيطان في عقولهم ليأتي الرد من الله في قوله سبحانه: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ} أي إذا كان ذلك وعدًا من الله، فالله لا يخلف وعده. والله يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم لستم أنتم الذين تحكمون وتقررون ماذا سيفعل الله سبحانه وتعالى بكم.. بل هو جل جلاله الذي يحكم.. فإن كان قد أعطاكم عهدا فالله لا يخلف وعده.وقوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.. هنا أدب النبوة والخلق العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. فبدلا من أن يقول لهم أتفترون على الله أو أتكذبون على الله.. أو أتختلقون على الله ما لم يقله.. قال: {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} إن الذي يختلق الكلام يعلم أنه مختلق.إنه أول من يعلم كذب ما يقول، وقد يكون له حجة ويقنع من أمامه فيصدقه، ولكنه يظل يعلم إن ما قاله مختلق رغم أنهم صدقوه.. ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها».إذن مختلق الشيء يعرف إن هذا الشيء مختلق. وهؤلاء اليهود هم أول من يعلم إن قولهم: {لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً} قول مختلق.. ولكن لمن يقولون على الله ما هو افتراء وكذب؟ يقولون للأميين الذين لا يعرفون الكتاب. اهـ..التفسير المأثور: قال السيوطي:{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)}.أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي عن ابن عباس أن يهود كانوا يقولون: مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب لكل ألف سنة من أيام الدنيا يومًا واحدًا في النار، وإنما هي سبعة أيام معدودات ثم ينقطع العذاب، فأنزل الله فيه ذلك {وقالوا لن تمسنا النار} إلى قوله: {هم فيها خالدون}.وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد. مثله.وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والواحدي عن ابن عباس قال: وجد أهل الكتاب مسيرة ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين، فقالوا: لن يعذب أهل النار إلا قدر أربعين، فإذا كان يوم القيامة ألجموا في النار فساروا فيها حتى انتهوا إلى سقر، وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعهودة، فقال لهم خزنة النار: يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أيامًا معدودة فقد انقضى العدد وبقي الأبد، فيأخذون في الصعود يرهقون على وجوههم.وأخرج ابن جرير عن ابن عباس. أن اليهود قالوا: لن تمسنا النار إلا أربعين يومًا مدة عبادة العجل.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: اجتمعت يهود يومًا فخاصموا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودات وسموا أربعين يومًا، ثم يخلفنا فيها ناس وأشاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ورد يده على رءوسهم كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لا نخلفكم فيها إن شاء الله تعالى أبدًا، ففيهم أنزلت هذه الآية: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة} يعنون أربعين ليلة».وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود «أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنزل الله على موسى يوم طور سيناء من أهل النار الذين أنزلهم الله في التوراة؟» قالوا: إن ربهم غضب عليهم غضبة فنمكث في النار أربعين ليلة، ثم نخرج فتخلفوننا فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذبتم والله لا نخلفكم فيها أبدًا، فنزل القرآن تصديقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبًا لهم {وقالوا لن تمسنا النار} إلى قوله: {وهم فيها خالدون}».وأخرج أحمد والبخاري والدارمي والنسائي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال لما افتتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود، فقال لهم: من أبوكم؟» قال: فلان. قال: «كذبتم، بل أبوكم فلان». قالوا: صدقت وبررت. ثم قال لهم: «هل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم عنه؟» قالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. فقال لهم: «من أهل النار؟» قالوا: نكون فيها يسيرًا ثم تخلفوننا فيها. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اخسئوا والله لا نخلفكم فيها أبدًا».وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {قل أتخذتم عند الله عهدًا} أي موثقًا من الله بذلك أنه كما تقولون.وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما قالت اليهود ما قالت قال الله لمحمد {قل أتخذتم عند الله عهدًا} يقول: أدخرتم عند الله عهدًا. يقول: اقلتم لا إله إلا الله لم تشركوا ولم تكفروا به، فإن كنتم قلتموها فارجوا بها، وإن كنتم لم تقولوها فلم تقولون على الله ما لا تعلمون.وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {قل أتخذتم عند الله} قال: بفراكم وبزعمكم أن النار ليس تمسكم إلا أيامًا معدودة، يقول: إن كنتم اتخذتم عند الله عهدًا بذلك فلن يخلف الله عهده {أم تقولون على الله ما لا تعلمون} قال: قال القوم: الكذب والباطل، وقالوا عليه ما لا يعلمون. اهـ..فوائد لغوية وإعرابية: قال ابن عادل:قوله: {إلاّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً} استثناء مفرّغ، و{أيَّامًا} منصوب على الظرف بالفعل قبله، والتقدير: لن تَمّسنا النار أبدًا إلاّ أيامًا قلائل يَحْصُرُها العَدُّ؛ لأن العد يحصر القليل، وأصل: أيّام: أَيْوَام؛ لأنه جمع يوم، نحو: قوم وأقوام، فاجتمع الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون، فوجب قلب الواو ياء، وإدغام الياء في الياء مثل: هَيّت وميّت؟فإن قيل: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً} وقال في مكان آخر: {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ} [آل عمران: 24] والمصروف في المكانين واحد وهو أيام.فالجواب: أن الاسم إن كان مذكرًا، فالأصل في صفة جمعه التاء، يقال: كُوز وكِيزان مكسورة، وثياب مَقْطوعة، وإن كان مؤنثًا كان الأصل في صفة جمعه الألف والتاء يقال: جرّة وجِرَار مكسورات، وخَابِية وخَوَابي مكسورات، إلا أنه قد يوجد الجمع بالألف والتاء فيما واحده مذكّر في بعض الصور، وعلى هذا ورد قوله: {في أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، و{في أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} [الحج: 28].قوله: {أَتَّخَذْتُمْ} الهمزة للاستفهام، ومعناها الإنكار والتَّقْريع، وبها استغني عن همزة الوصل الدّاخلة على {أتخذتم} كقوله: {أفترى عَلَى الله} [سبأ: 8] {أَصْطَفَى} [الصافات: 153] وبابه.وقد تقدم القول في تصريف {أتَّخَذْتُمْ} وخلاف أبي علي فيها.ويحتمل أن تكون هنا لواحد.وقال أبو البقاء: وهو بمعنى جَعَلتم المتعدية لواحد.ولا حاجة إلى جعلها بمعنى جعل لتعديها لواحد، بل المعنى: هلأ أخذتم من الله عهدًا؟ ويُحتمل أن يتعدّى لاثنين، الأول عهد، والثاني {عند الله} مقدمًا عليه، فعلى الأول يتعلّق {عند الله} ب {اتَّخَذْتُمْ}.وعلى الثاني يتعلّق بمحذوف.ويجوز نقل حركة همزة الاستفهام إلى لام {قل} قبلها، فتفتح وتحذف الهمزة.وهي لغة مطّردة قرأ بها نافع في رواية وَرْش عنه.قوله: {فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ} هذا جواب الاستفهام المقتدم في قوله: {أتَّخَذْتُمْ}.وهل هذا بطريق تضمين الاستفهام معنى الشرط، أو بطريق إضمار الشَّرط بعد الاستفهام وأخواته؟قولان تقدم تحقيقها واختار الزمخشري القول الثاني، فإنه قال: {فَلَنْ يُخْلِفَ} متعلّق بمحذوف تقديره: إن اتخذتم عند الله عهدًا فلن يخلف الله عهده.وقال ابن عطية {فلن يخلف الله عَهْده}: اعتراض بين أثناء الكلام كأنه يعني بذلك أن قوله: {أم تقولون} مُعَادل لقوله: {أتخذتم} فوقعت هذه الجملة بين المتعادلين مُعْترضة، والتقدير أيّ هذين واقع اتخاذكم العهد أم قولكم بغير علم؟ فعلى هذا لا محلّ لها من الإعراب، وعلى الأول محلها الجزم.قوله: {أَمْ تَقُولُونَ} {أم} هذه يجوز فيها وجهان:أحدهما: أن تكون متّصلة، فتكون للمعادلة بين الشيئين، أي: أيّ هذين واقع، وأخرجه مُخْرج المتردّد فيه، وإن كان قد علم وقوع أحدهما، وهو قولهم على الله مالا يعلمون للتقرير، ونظيره: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 24] علم أيهما على هدى، وأيهما في ضلال، وقد عرف شروط المتصلة أول السورة.ويجوز أن تكون منقطعة، فتكون غير عاطفة، وتقدر ببل والهمزة، والتقدير: بل أتقولون، ويكون الاستفهام للإنكار؛ لأنه قد وقع القول منهم بذلك، هذا هو المشهور في أم المنقطعة، وزعم جماعهة أنها تقدر ببل وحدها دون همزة استفهام، فيعطف ما بعدها على ما قبلها في الإعراب؛ واستدّل عليه بقولهم: إن لنا إبلًا أَمْ شَاءً بنصب شَاءً وقول الآخر: الطويل:التقدير: بل في جهنَّم، ولو كانت همزة الاستفهام مقدَّرةً بعدها لوجب الرفع في شاء، وجهنم على أنها خبر لمبتدأ محذوف، وليس لقائل أن يقول: هي في هذين الموضعين مُتَّصلة لما عرف أن من شرطها أن تتقدّمها الهمزة لفظًا أو تقديرًا، ولا يصلح ذلك هنا.قوله: {مَا لاَ تَعْلَمُونَ} ما منصوبة ب {تقولون}، وهي موصولة بمعنى الذي أو نكرة موصوفة، والعائد على كلا القولين محذوف، أي: ما لا تعلمونه، فالجملة لا محلّ لها على القول الأول، ومحلّها النصب على الثاني. اهـ. باختصار.
|